وقد تعرض المشايخ لمسائل، وذكروا وأشاروا إلى حديث الثلاثة الذين دخلوا في الغار، وهو حديث عظيم جليل ربما بعضكم لم يسمعه، فأحب أن أورده، فالذي قد سمعه له فائدة في سماعه، والذي لم يسمعه يستفيد من ذلك، ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ثلاثة فيمن كان من قبلكم ثلاثة فيمن قبلنا قبل هذه الأمة آواهم المبيت وفي لفظ: المطر إلى غار يعني نزل بهم مطر عند المساء عند الليل فآواهم المبيت والمطر إلى غار في عرض الجبل، فدخلوا فيه، فلما دخلوا فيه نزلت صخرة من فوقهم فسدت عليهم الغار صخرة عظيمة أنزلها الله جل وعلا عبرة وامتحانًا وابتلاء، فسدت عليهم الغار، وما استطاعوا دفعها ولا تحريكها، فقال بعضهم لبعض: إنه لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تدعوا الله بخالص أعمالكم أو بصالح أعمالكم، فقام الأول وهو الذي توسل ببره والديه فقال: اللهم إنه كان لي شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا.
والغبوق: اللبن الذي يشرب في الليل، الغبوق عند البادية اللبن يشرب في أول الليل يسمى غبوقًا.
قال: فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فحلبت لهما غبوقهما، ثم جئت فإذا هما نائمان، فلم أر إيقاظهما ووقفت بالقدح عليهما أنتظر إيقاظهما كره أن يوقظهما ويكدر عليهما نومهما وكره أن يسقي زوجته وأولاده قبلهما، كان عادة له هذا أحب أن يمضيها، ولو أنه سقى أولاده ما في بأس وعزل لهما حقهما ما في حرج، لكن من شدة ما قلبه من حبهما وبرهما والحرص على السير على عادته الكريمة ما قوي أن يسقي أحدًا قبلهما، فوقف بالقدح ينتظر استيقاظهما فلم يزل واقفًا ينتظر حتى برق الفجر فاستيقظا وسقاهما، قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً ورأوا السماء، ولكنه قليل لا يستطيعون الخروج.
فقام الثاني وقال: اللهم إنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وأني أردتها على نفسها فأبت وفي لفظ قال: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فأبت، يعني أبت أن توافقه على الفاحشة، ثم إنها ألمت بها سنة حاجة شديدة ما عندها مال ألمت بها سنة يعني حاجة شديدة، فجاءت إلي تطلبه العون فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك فاضطرت إلى ذلك، وأعطاها مائة جنيه وعشرين جنيه مائة دينار وعشرين دينار على أنها تخلي بينه وبين نفسها ليفعل الفاحشة، فسلم لها الذهب، وتمكن منها، فلما جلس بين رجليها ليجامعها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فلما قالت له هذا الكلام خاف من الله وخاف من معرة هذا الزنا، فقام وتركها، وترك الذهب لها كله، ولم يأخذ منه شيئا، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة زيادة، ولكنهم لا يستطيعون الخروج، بقي بعض الشيء.
ثم قام الثالث فقال: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيت كل أجير حقه إلا واحدًا أبى أن يأخذ حقه ترك عندي حقه فنميته له وثمرته له حتى صار منه إبل وبقر وغنم ورقيق كان عنده آصع له من أرز أو شعير أو ذرة تركه عنده الأجير وذهب، فنماه وجعل يتجر فيه لحظ الأجير حتى صارت من هذه الآصع إبل وبقر وغنم وعبيد شيء عظيم، ثم جاءه الأجير يطلب حقه قال: يا عبد الله أعطني حقي، قال: يا عبد الله كل ما ترى من هذه الإبل والبقر والغنم والرقيق كلهم لك كلهم من حقك، قال: اتق الله ولا تستهزئ بي لا تسخر بي، قال: لا ما أقول لك إلا الحق هذا كله مالك نميته لك وثمرته لك، فأخذه كله واستاقه كله الإبل والبقر والغنم والعبيد من تلك الآصع التي نماها له هذا الرجل، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانزاحت الصخرة وخرجوا.
هذه من آيات الله العظيمة امتحنهم حتى يتوسلوا بهذه الوسائل، وحتى يعرفوا فضلها، وحتى تكون عبرة لمن بعدهم، النبي ﷺ حدث بها لنا لهذه الأمة حتى يكون فيها عبرة وذكرى للناس لهذه الأمة، وأن بر الوالدين والعفة عن الفواحش وأداء الأمانة هذه الخصال الثلاث من أعظم الأسباب التي ترضي الله، ومن أعظم الأسباب التي تفرج بها الكروب، وتزال بها النكبات والخطوب، ومن أسباب مرضاة الله .